إعلام ذكي: مسرحية قصيرة

مسرح البولشوي - موسكو

—  المشهد الأول  —

مدير عام المؤسسة:
صباح الخير يا أحمد. أرسِل لي ردود أفعال الصحف على النظام الإلكتروني الجديد الذي أطلقناه البارحة.

أحمد:
فورا يا سيدي، شركة إدارة العلاقات العامة على وشك الانتهاء من التقرير الأسبوعي وسيصلك خلال دقائق.

وبالفعل، تصل رسالة البريد الإلكتروني مع أبرز ردود أفعال الإعلام على مؤتمر المؤسسة:

صحيفة المجد:
في مؤتمر ذو صدى دولي، المؤسسة تعلن نظاما إلكترونيا ثوريا بمعايير عالمية

صحيفة الصدى:
المؤسسة تعيد تعريف الأتمتة مرة أخرى

صحيفة المستقبل:
نظام إلكتروني متخلف يعجز عن مواكبة التطورات العالمية وينبئ بتفاقم المشكلات التي يواجهها مراجعو المؤسسة


المدير العام:
(!!!!!!)  أحمد!

أحمد:
لا عليك يا سيدي، هذه مجرد مجلة إلكترونية، بينما الصحف الحقيقية ووسائل الإعلام كلها أبرزت الخبر بصورة إيجابية.

المدير العام:
يصلني رابط الخبر حاليا وبشكل متعاقب من أشخاص مختلفين، وأخشى أن يصل للمعازيب. تصرّف!

— المشهد الثاني  —

أحمد:
معي السيد سالم، رئيس تحرير صحيفة المستقبل؟

سالم:
لست بالضبط “رئيس تحرير”، أنا مبرمج الصحيفة..

أحمد:
هل تستطيع أن تحولني للسيد رئيس التحرير؟

سالم:
ليس لدينا رئيس تحرير يا عزيزي، صحيفة المستقبل هي صحيفة ذكية..

أحمد:
هل تستطيع تحويلي إلى محرر الصفحة الرئيسية الذي غطى إطلاق النظام الإلكتروني الجديد للمؤسسة؟

سالم:
ليس لدينا محررون، أنا الموظف الوحيد في الصحيفة وصاحبها. ولا علم لي بالخبر الذي ذكرته ولا أقرأ الصحيفة كاملة. الذكاء الصناعي هو الذي يحرر كل الأخبار وينشرها وأنا فقط أقدم الدعم الفني وأدير الإعلانات.

أحمد:
ماذا تقصد بأن الذكاء الصناعي يحرر الأخبار؟ كان لدينا بالأمس مؤتمر صحفي عن إطلاق نظام إلكتروني جديد ونشرت صحيفتكم خبرا سلبيا للغاية عنه. من يقف خلف هذا الشيء؟

سالم:
أعتقد أني بدأت أفهم ما تتحدث عنه، اسمح لي أن أقدم لك شرحا بسيطا لطريقة عمل الصحيفة.
أنا يا سيدي مجرد مبرمج. قمت بتصميم برنامج لإدارة المحتوى يقوم بشكل دائم برصد البيانات الصحفية والأخبار، ثم يقوم بمقارنتها بالبيانات المشابهة تاريخيا وبالأرشيف العالمي وبأرشيف آراء الناس على وسائل التواصل الإجتماعي، ويحلل الحدث الجديد بناء على هذه المقارنات ثم يقوم بصياغة خبر صحفي يعلن فيه الحدث ويضيف رأيه حسب التحليل الآلي.

أحمد:
(…..)

سالم:
إذا رجعت للصفحة الرياضية على سبيل المثال سترى الأخبار تتحدث عن نتيجة كارثية لمنتخبنا بالأمس وتطالب بتغيير الخطة واستبدال بعض اللاعبين. هذه كلها تحليلات توصل لها الذكاء الصناعي بعد مقارنة نتيجة مباراة الأمس بكل النتائج التاريخية للمنتخب، وتحليل نتائج وإحصائيات الخصوم ومنها يقترح الذكاء الصناعي إجراء التبديلات الفنية في صفوف المنتخب.
ما حصل في مقالكم مشابه لهذا الشيء.

أحمد:
لكن خبركم هذا سيتسبب لنا بالمشاكل. وسنضطر لاتخاذ خطوات قانونية وربما إجراءات أخرى..

سالم:
لا داع للتهديد يا عزيزي، ذكرت لك بأن مهامي تشمل البرمجة وكذلك إدارة الإعلانات. نستطيع الاتفاق على عقد رعاية مفيد للطرفين وسيتم تعديل هذا الخبر تلقائيا وتغيير إعدادات البرنامج ليكون أكثر حرصا عند صياغة الأخبار المتعلقة بمؤسستكم مستقبلا.

أحمد:
كيف تتأكد من ذلك إذا كان الذكاء الصناعي يصيغ الأخبار وينشرها تلقائيا كما تقول؟

سالم:
بسيطة، عندما يقوم البرنامج بتحليل أخبار مؤسستكم مستقبلا، سنزيل المقارنة مع الدول المتقدمة ونتأكد بأنه يقارن فقط بالأرشيف التاريخي لأكثر الدول تخلفا..

— المشهد الثالث  —

صحيفة المجد:
أصداء عالمية للنظام الإلكتروني الجديد الذي أعلنته المؤسسة

صحيفة الصدى:
خبراء: النظام الإلكتروني الجديد للمؤسسة هو الأول عالميا والدول المتقدمة تطلب نسخة منه

صحيفة المستقبل:
سعادة مدير عام المؤسسة يحطم أبواب المستقبل ويطلق الثورة الصناعية التاسعة


— تمت  —

صاحب هذه المدونة. إماراتي متعدد الإهتمامات. أكتب ما أفكر فيه حتى لا أنساه. حسابي على تويتر هو (jaberm_ar).

هل ترغب أن تشارك في التعليقات؟ إذاً تفضّل :)