مباراة بين فريقين.. أي فريقين من أندية الدولة..
الجماهير بالكاد تملأ ربع المدرجات.. كالعادة..
أسباب غيابها كثيرة..
هل سألوم الغائبين؟ لا طبعا.. ففاقد الشئ لا يعطيه.. وأنا أقرر في كل مباراة أحضرها ألا أحضر مباراة أخرى.. تمضي الأيام وأنسى أو يجبرني الحنين على الحضور.. فأحضر.. وأقرر ألا أحضر مرة أخرى!
يا ابن الكذا!
تسمعها عندما تبدأ المباراة، مع أول احتكاك بسيط بين لاعبي الفريقين. لاعب فريقنا مقدس مدلل لا يطيق الاحتكاك، فيحتاج لتدخل الجماهير لحمايته. أما لاعب الفريق الثاني فهو وحش هدفه من الحياة إعاقة لاعبينا.. وفوق هذا.. هو إبن كذا!
كذا أمك!
يا حكم المباراة! كيف تحتسب حالات التسلل على مهاجمينا؟ كيف يقع لاعب فريقهم على الأرض بعد أن سحب لاعبنا فانيلته وهو يجري خلفه قاصدا منعه من الوصول إلى المرمى.. وعندما ينجح لاعبنا في إيقاف لاعبهم الذي كاد أن يحرز علينا هدفا.. تقوم وتصفر وتعطيهم ضربة حرة؟ كذا أمك!
يا أخو الكذا!
هذه بالذات مختلفة! يمشي لاعبهم أمام جماهيرنا! بدون كرة. ويمشي في المكان الذي أمره مدربه بالوقوف فيه.. كيف يجرؤ أخو الكذا على المرور من أمامنا؟
مواقف تملأ مدرجاتنا.. أناس يدخلون للملعب بهدف استعراض حصيلتهم اللغوية العفنة أمام الجميع.. كبارا وصغارا.. رجالا ونساء. والهدف أغلب الظن هو إثبات الذات أو حب الظهور أو ربما ممارسة طبيعية لما اعتاد عليه في البيئة التي تربى فيها وسمع منها هذه الكلمات بشكل مستمر.
يتوقع أن تصل للناس صورة تعكس رجولته وحماسه وغيرته على فريقه.. في حين أن الصورة التي تصل لهم في النهاية هي ليست سوى صورة أحمق يرفع لافتة تقول: (أنا قادم من بيئة قذرة. لم يربني أبي. وأمي هانت علي وأحسب أن كل الأمهات مثلها)!
وليت الأمر يقتصر على الحكم ولاعبي الفريق الآخر. بل يتجاوزه حتى للاعبي الفريق الذي يشجعونه، هل شاهدتم من يحاول بث الحماس في لاعبي فريقه عن طريق شتمهم هم وأمهاتهم؟ هذا المنظر الغريب يتكرر في كل المباريات!
هل نلومهم؟
عندما تجلس في إحدى المدرجات التي تفوح منها أقذع الألفاظ، لدرجة أن جارك يتفنن في إطلاق أسماء الحيوانات على لاعبي الخصم والحكم مساعديه وجماهير الفريق الآخر بل حتى الجهازين الإداري والفني للخصم، فهذا كلب وذاك حمار وهذا قرد.. تصور أن يصبح جارك هذا في نظرك انسانا مهذبا.. نسبيا.. لأنه اكتفى بإطلاق أسماء الحيوانات على الآخرين ولم يتعدى على أخلاقهم وأخلاق أهلهم!
عندما تجلس في مدرج كهذا تعرف أنك ظلمت نفسك كثيرا وأنزلت من قدرها بحضورك الشخصي، وتعرف أن من ردد عليك كثيرا نغمة أهمية حضور المباراة داخل الملعب قد أساء إليك بنصيحته وإلحاحه.
ولكن قبل أن تلوم نفسك وتلوم من نصحك بالحضور.. ماذا عن منجم البذاءات الذي ما زال يصرخ ويشنف الآذان؟
أنا شخصيا.. لا ألومه.
شخص تجرأ على قذف أم لاعب، وأخته، وأبوه. وليته اكتفى بلاعب فربما كان يعرف مالا نعرف، فالقذف على طرف لسانه ويردفه كل حين باسم شخص آخر.. فما الذي تسبب في ذلك؟ كيف تهون على شخص ما، أمهات الآخرين بهذه الطريقة؟
لا أرى سببا مقنعا سوى أن أمه هانت عليه قبل ذلك لسبب يعرفه ونجهله. فمن الطبيعي أن يرد عليك الشخص بمثل ما تشتمه.. قل لأحدهم أنت غبي.. فسيقول لك.. الغبي أنت.. قل له أنت حمار.. فسيقول الحمار أنت.. قل له أمك كذا.. كيف سيكون رده؟
لا تحتج.. أنت المتسبب بذلك.. وضعت أمك في موقف لا يرضاه أحد لأمه.. لماذا؟ لأنها هانت عليك.
فهل نلوم مثل هذا الشخص الذي هانت عليه أمه؟
من نلوم؟
بصراحة هذه المشكلة قد تعدت حاجز التجاهل وما عدنا قادرين على أن نقول هذه أقليات، هؤلاء أشخاص معدودين، البركة في البقية.
فالبذاءة مرض معد، بل وباء. في بداية المباراة تسمع شخص أمامك يصرخ ويقول للحكم يا ابن كذا.. بعد دقائق تسمع شخصا في الخلف يصرخ يا أخو الكذا.. كلها لحظات وتسمع البذاءات من كل صوب. نظرية التفاحة التي تفسد باقي التفاح.
في الملعب أطفال بين الثلاث سنين وإلى نهاية مراحل المراهقة. بعضهم يتعلم ألفاظا لم يكن يعرفها، بعضهم يحب التقليد، بعضهم يكررها دون وعي.
في الملعب آباء سيمنعون أبنائهم من الحضور مستقبلا. وتصور لو كان الأب سيمنع ابنه من التشجيع فكيف سيسمح له بمجرد التفكير في الإنضمام للنادي؟
في الملعب نساء من الصحفيات وزوجات اللاعبين.
في الملعب شخصيات هامة ورموز الفريقين.
نلوم المبررين..
هناك من تشتكي له عن هذه التصرفات، فيجد لها الكثير من التبريرات. منها مثلا أن هذا شئ معتاد في كرة القدم. وكأنه تم التسليم بأن مدرجات كرة القدم هي مكان قذر من الأجدر بمن يحترم نفسه أن يعفها عن التواجد فيه.
هناك من يقول لك، معهم حق.. هل شاهدت أداء الحكم؟ هل شاهدت ماذا فعل اللاعب الفلاني؟ يستحقون.. يستاهلون ما أتاهم. لو بذلوا مجهودا لما شتمهم أحد!!
تصور أنك سائق سيء.. وفوق ذلك تشهر بالنعاس.. فتضايق خلق الله في الشارع.. تنعطف أمام هذا وتمنع ذاك من دخول الشارع وتكاد تصدم آخر بل تصدم سيارته الجديدة النظيفة الوحيدة بالفعل.
هل تقبل منه وأنت المخطئ أن يشتم أمك؟
تصور أنك موظف وتقبل الرشوة أعاذنا الله وإياكم منها. وتم اكتشافك والقبض عليك.
هل تقبل أن يقول لك مديرك أو الشرطي.. أنك ابن كذا؟
أنت مخطئ مع سابق الإصرار والترصد.. هل تتقبل من أي أحد. لفظة.. كذا أمك؟
أنت مستعد لقبول الغرامة والسجن والفصل والدفع والتشهير. لكن لا ترضى التطاول على أمك.
الشئ نفسه مع الحكم، واللاعب. حتى لو أخطأ. حتى لو تعمد الخطأ. لا يوجد منطق في العالم يبيح لأحد أن يستبيح إراقة كرامتهم بهذا الشكل. المبررين حتما أحد أسباب المشكلة.
المشكلة إذا ليست بسيطة إطلاقا..
وإذا لم يتم التصدي لها الآن.. وليس قريبا.. فستخسر كرة القدم في بلادنا أكثر مما خسرته حتى الآن. والأسوأ من ذلك.. سيفقد شباب الوطن من سمعتهم الكثير.. وهذا ما لانطيقه ولا نرضاه.. هل تعتقد أن أحدهم سيحضر مباراة لفريقك ويرجع للبيت ويقول ذهبت إلى مباراة الفريق الفلاني وكان هناك من يشتم؟ إطلاقا.. سيقول أن مشجعي الفريق الفلاني بذيئو اللسان.. وسيشملك قوله وتلتصق بك الصفة!
ماذا لو تكرر الأمر بحكم العادة في مباريات المنتخب. فدورة الخليج قادمة إلى أبوظبي وإذا استمر الحال كما هو عليه فسيسمع أشقاؤنا الخليجيون هذه الألفاظ بين جماهيرنا ويعودون إلى بلادهم ليحدثوا من لم يأتي عن بذاء الإماراتيين وسفههم.. هل ترضاها؟
شرعا، ماهي عقوبة القذف؟
لم يترك الإسلام بندا في الحياة اليومية إلا ووضع له التشريعات المناسبة العادلة. فماهي عقوبة القاذف في شريعتنا؟
في البداية يؤتى به، وتتم مطالبته بأربعة شهود ثقات فيما اتهم به أم الحكم.
قلت يا هذا أمام الجميع أن الحكم ابن كذا أو أخو كذا. هات اربعة شهود يشهدون بأن أمه أو أخته كذا!
فإذا عجز عن اثبات التهمة التي تجرأ على الصراخ بها في المدرجات أمام المئات من الجماهير التي ستجد دون شك من يشهد بينها على حادثة القذف، يحق على القاذف عندها العقوبة.
أولا. الجلد ثمانين جلدة.
ثانيا. تسقط شهادته ولا تقبل منه أي شهادة مستقبلا. فإذا جاء وقال أن اللصوص سرقوا بيته. تتم مطالبته بشهود على أن بيته مسروق! يرفض رأيه شرعا ولا يؤخذ به إلى الأبد.
ثالثا. يوصم بالفسق ويتم التعامل معه على أنه فاسق!
وقد وضحت الآية الرابعة من سورة النور هذه الأحكام بصورة واضحة وصريحة تمنع الفلسفة والتأويل:
((وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)).
أين الحل؟
الحل بأيدي هؤلاء. سأوجه لهم نداء أتمنى أن يصل:
1- أصحاب السمو الشيوخ في كل إمارة.
وعنهم في دبي الشيخ محمد بن راشد المكتوم رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.
سموك تكرمت بفرض عقوبة التشهير على المعاكسين في المراكز. ماذا كان السبب؟ لأنهم يضايقون النساء في الأسواق.
ماذا تقول إذا يا صاحب السمو عمن يتهجم على النساء في بيوتهن؟ امرأة عجوز جالسة في بيتها في إحدى الإمارات الشمالية، ترمى بالزنى في إحدى ملاعب دبي أو الإمارات الأخرى لأن ابنها مساعد حكم كرة قدم!
هل ترضاها يا صاحب السمو؟
2- المسؤولين عن أجهزة الأمن وإدارات الشرطة.
وعنهم في دبي الفريق ضاحي خلفان تميم قائد عام شرطة دبي.
تكرمت يا أبا فارس بتنظيم الأمن في الملاعب ونشر رجال الشرطة المدربين لمواجهة حالات الشغب والتخريب.
ماذا عن منع حالات الشغب من الأساس؟ لماذا ننتظر أن يتم ضرب الحكم أو أن تتشابك جماهير الفريقين؟
وما الهدف من حملات التشجيع النظيف لو اقتصرت على لافتات موضوعة في الملعب وخيالة يحملون الرايات ويطوفون بها؟
أليس الأسهل من ذلك أن تنشر رجال التحريات بالملابس المدنية بين الجماهير وتأمرهم بسحب كل بذيء من أذنيه أمام الجماهير وأخذه إلى حجرة الأمن والتعامل معه بما يليق بتهمته؟
أليس القذف تهمة يعاقب عليها القانون؟ أليس الإتهام بالرشوة تهمة يعاقب عليها القانون؟
أليس الأجدر برجال الشرطة الذين يواجهون الجماهير طول المباراة بعصيهم التحرك لإيقاف حالات الإستفزاز وجرائم القذف؟
3- إدارات الأندية.
وجود عينات كهذه في مدرجاتكم وبين جماهيركم عار على النادي بالدرجة الأولى. فبلادنا تعاني من داء التعميم ولن يأتي أحد ليقول أن بين جماهير النادي الفلاني فسقة. بل سيوصم الجميع بهذه الصفة. كل الأندية تعاني حاليا من شح الجماهير وتوجهت بعض الأندية لاستئجارهم للتعويض. فهل من الحكمة المغامرة بالبقية الباقية من الجماهير عن طريق السماح لحشرات المدرجات بالإساءة إليهم؟ هل من الحكمة أن نخاطر بمنع أولياء الأمور لأبنائهم من حضور المباريات بسبب ما يحصل في المدرجات من مهازل؟ ألم تمر على إدارات الأندية مواهب كروية نادرة وجميلة، لكن رفض أولياء أمورها السماح لها باللعب في النادي خوفا مما قد يدور بين اللاعبين؟ هذه الصورة السيئة ما وصلت لأولياء الأمور إلا بسبب ما يدور في المدرجات، ألا تستحق منكم هذه السلبيات وقفة للحفاظ على أنديتكم؟ ماذا عن العقوبات الإدارية التي تفرض على أنديتكم بسبب تجاوزات الجماهير؟ عندما تستحل الجماهير لأنفسها الشتم والقذف، فالخطوة التالية لها هي استباحة أرض الملعب أو الاحتكاك مع جماهير الأندية الأخرى خارج الملعب. فلماذا ننتظر أن يصل الموضوع لهذه المرحلة؟
أقترح على إدارات الأندية تكوين لجان مسؤولة عن الجماهير تملك قوائم سوداء تضم أسماء وصور المشبوهين وتوزيع هذه القوائم على مداخل الأندية ومنع الأسماء والوجوه الواردة فيها – قدر الإمكان – من حضور المباريات في الملاعب. وربما أيضا تركيب كاميرات موجهة نحو الجمهور ومتابعتها بالتعاون مع الجهات الأمنية لإيجاد المشبوهين وإضافتهم في القوائم السوداء للنادي ولوائح أجهزة التحريات.
4- المشجعين.
الساكت عن الحق شيطان أخرس. بجواركم شخص ارتكب جريمة القذف بالزنى أو بالرشوة. وهذه كلها أشياء يعاقب عليها القانون. سكوتكم عن ذلك يعتبر بنظر القانون تسترا عن جريمة وعلى مجرم. المطلوب منكم كثير. أولا منع أبنائكم من الذهاب للملاعب مع من لا تثقون به. فكثيرا ما رأينا حشرات الملاعب تجلس مع مشجعين من صغار السن، فهؤلاء يمرون بفترة عمرية قد تبهرهم فيها الوقاحة. من الضروري أيضا الإبلاغ عن هذه الفئة. وأيضا إذا أمكن، التحدث معها ونصيحتها وتبيان عدم الرضى عن تواجدها. بل لا أرى مانعا في التشهير بها عن طريق تصويرها ونشر الصور في الإنترنت وإذا أمكن إرفاق الأسماء. فكما ذكرت مسبقا. إذا كان من يضايق النساء في الأسواق يتم التشهير به، فلماذا لا يتم التشهير بمن يضايق النساء في بيوتهن؟ الشرع يأمر بجلدهم.. فما هو التشهير بجانب الجلد؟
تشتكي الجماهير دائما من انحياز الحكام ضدها، فهل فكرتم بدور الحشرات في هذا الإنحياز؟ شخص تتهم أمه بالزنى فهل تلومه لو طرد أحد لاعبي فريقك ظلما أو احتسب تسللا غير صحيح ضدك؟ أنا شخصيا لا ألومه بل بالعكس.. تبقى لديه حق يجب أن يأخذه القانون له!
هل ترى مدى الضرر الذي يصيبك كمشجع بسبب هذه العينات؟
ختاما..
الموضوع ليس مجرد كرة قدم. من يتعلم شتم من لا يعجبه في المدرجات، سينقل ثقافة البذاءة معه إلى خارج الملعب. سيشتم في الشارع. سيشتم في البيت. سيشتم في مقر العمل. أخلاق المجتمع في خطر. إذا لم يتم التدخل بشكل جاد ستجد من يشتمك غدا لأبسط هفوة ترتكبها.