نفط الإمارات الجديد

أتذكر أن أحد المعلمين في المدرسة قال لنا يوما ما بأن النفط سينضب بعد 50 عامًا. هذا الرقم يبدو لك وأنت صغيرٌ وكأنه بعد عصور. عندما كبرت، بقيَ الرقم في بالي لكنه صار يبدو قريبا جدا، وبدأت أتساءل إن كان لدينا مستقبل بلا نفط. ماذا سنبيع؟ ماذا سنصدر للعالم؟
كم بقي من العد التنازلي لساعة الصفر؟

اليوم صار الوضع أكثر حساسية فلم يعد يهُم مقدار النفط المتبقي، فأهميته كعصبٍ للحياة بدأت في التناقص مع زيادة الكميات المتداولة عالميا ومع التطور في إيجاد البدائل. يبدو أن ساعة الصفر لجفاف الحقول لم تعد المعيار الصحيح، بل مدى أهمية النفط نفسه.

إلى متى سيحتاج العالم لبراميلنا؟

الجانب المشرق هو أن هذه التساؤلات كانت أيضا تجول في بال أهم قيادات الدولة وأصحاب القرار منذ التأسيس. فالإمارات اليوم صارت تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات داخل وخارج الدولة وعلى القطاع اللوجستي والسياحة.
في العام الماضي تجاوزت قيمة الناتج المحلي للقطاع غير النفطي تريليون درهم(*).

وصلنا لهذا الرقم المثير للإعجاب نتيجة لسياسة حكيمة في التواصل مع الجميع واستقطاب أهم الخبرات ورؤوس الأموال في كل المجالات. ليس صدفة بأن الإمارات اليوم تضم هذا العدد الكبير من الجنسيات. ملايين الأشخاص من مختلف الإثنيات يعتبرون الإمارات وطنا، وأضعاف أضعافهم يرنو إليها.

وليس صدفة بأن تسعى الدولة لترسيخ هذا الواقع وتنميته. فأهم الحضارات تاريخيا نمت مع احتضانها لباقي الثقافات وانصهارها معها، وفي عصرنا هذا، عصر التقنية والذكاء الصناعي والخدمات المالية، الرابح هو من ينجح في استقطاب أفضل العقول وتوفير كل السبل لإقناعها بالبقاء، وتشجيع الأجيال المقبلة على الابتكار.

من المثير جدا بأن من تتربع اليوم على قوائم كبرى شركات العالم، لم تكن قد تأسست عندما بدأنا في تصدير النفط، بل لم تكن سلعها الرئيسية مهمة أو حتى موجودة (*). النفط الجديد ليس في باطن الأرض، لكنه في عقول البشر.
في هذه اللحظات تدور فكرة ما في ذهن مراهقٍ ما في مكان ما، وستصبح هذه الفكرة أهم سِلَع العالم خلال سنتين.

كنا محظوظون باستلام إرث مشرف من السمعة الطيبة التي أكسبت الإمارات المراكز الأولى في استطلاعات أفضل بلد للعيش (*). وهذه السمعة والرغبة الصادقة في التعايش هما عصب العصر الجديد، عصر الابتكار واستقطاب العقول ورؤوس الأموال.
وجود عدد كبير من الجنسيات الأخرى ممن تفخر بدورها في بناء الدولة أمر رائع.

السعي لبناء دولة عصرية تكون نموذجا في البنى التحتية وسهولة الإجراءات لم يكن عشوائيا. إطلاق عام التسامح لم يكن صدفة. إعلان الإقامة طويلة الأمد والبطاقة الذهبية لم يكن جزافا.

وعندما قال الشيخ محمد بن زايد بأننا سنحتفل بتصدير آخر برميل نفط، فهو حقا لم يكن يمزح.. (*)

جابر

صاحب هذه المدونة. إماراتي متعدد الإهتمامات. أكتب ما أفكر فيه حتى لا أنساه. حسابي على تويتر هو (jaberm_ar).

Recent Posts

إعلام ذكي: مسرحية قصيرة

مسرحية ساخرة تتناول سعي المؤسسات العامة للظهور الإعلامي الفارغ وتعودها على وسائل إعلام قديمة تنشر…

4 سنوات ago

مقترحاتي لتطوير النظام الصحي ضمن بادرة #العصف_الذهني_الإماراتي

استكمالا لمقالي السابق حول تطوير النظام التعليمي لدولة الإمارات، تجاوبا مع دعوة الشيخ محمد بن…

10 سنوات ago

مقترحاتي لتطوير النظام التعليمي ضمن بادرة #العصف_الذهني_الإماراتي

أكتب مقالي هذا تجاوبا مع الدعوة الكريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم…

10 سنوات ago

دبي تتواصل..

كل فترة نسمع عن مدينة تهدد وضع دبي، وميناء يسحب البساط من تحت قدميها، وبأنها…

11 سنة ago

عام التوطين (4): ماهو حجم المشكلة ولماذا لم نتعامل معها من قبل؟

عندما يتدخل رئيس مجلس إدارة مؤسسة ما في موضوع بديهي، ويصدر قرارا رسميا باسمه في…

11 سنة ago

عام التوطين (3): التوطين المزيف

لم يكد عام التوطين 2013 يبدأ، ومع ذلك احتفلت بعض المؤسسات بإنجازاتها في التوطين! بدأت…

11 سنة ago