رؤيتي بخصوص التجنيس الرياضي في دولة الإمارات..

استخدام جواز السفر كأداة..

كثر الحديث مؤخرا عن التجنيس الرياضي وكأنه حق من حقوق أندية كرة القدم والإتحادات الرياضية واللجان الأولمبية أو مظهر حضاري راقي تتباهى به الدول. دخلت في حوارات عدة حول هذا الموضوع ويبدو لي أن المؤيدين لا ينظرون إلى الموضوع إلا من زاوية واحدة ضيقة جدا وغير منطقية. هنا أسجل اعتراضاتي على التجنيس الرياضي في خمسة محاور..

1- التجنيس الرياضي هو اعتراف بفشل المواطنين:
عندما تتجه الرياضة الإماراتية إلى التجنيس فهي ترسل رسالة للجميع تقول: ((أبناؤنا لا خير فيهم ولا أمل يرجى منهم. لذلك سنتجه إلى التجنيس حتى يمثل الدولة من هو أفضل من مواطنيها)).
وكما تعلمون، هذه هي بالفعل النظرة الدونية التي يتلقاها المواطن من بعض الأجانب، فالمواطن هو شخص بليد تافه كثير النقود قليل الطموح. لذلك يأتي بالأجنبي ليقوم بأبسط متطلبات الحياة بدلا منه. واليوم جاء دور الرياضة. حتى في اللعب، صرنا نأتي بمن يلعب بدلا منا! فهل نقوم بأنفسنا بتكريس هذه النظرة عن المواطن الإماراتي؟

2- التجنيس الرياضي هو تحايل على القانون:
قانون الفيفا يسمح للأجانب باللعب في بطولات الأندية. قانون الفيفا لا يسمح للأجانب باللعب في بطولات المنتخبات. البطولات الأولمبية تتطلب أن يحمل المشارك جواز سفر الدولة التي يمثلها. لذلك جاء التجنيس للتحايل على هذا القانون فيلعب الأجنبي في المنتخب لكن على أنه مواطن! إذا كان هذا الشئ مقبولا لتمت الموافقة على لعب غير المواطنين في هذه البطولات للمنتخبات دون الحاجة للتجنيس. بالضبط كالحاصل في قوانين ألعاب أخرى مثل الكريكت، حيث لا يشترط أن يكون المنتخب مكونا من مواطني البلد ويستطيع أي منتخب أن يستعين بلاعبين يحملون جنسيات دول أخرى ويشاركون بالبطولات العالمية دون الحاجة للتحايل والتجنيس. فالتجنيس في الرياضات التي تمنع تمثيل غير أبناء البلد هو بالضبط كالمحلل (التيس المستعار). وسيلة تحايل جديرة بمعدومي المبادئ. البعض يحاول أن يبين التجنيس الرياضي على أنه شئ عادي ومقبول. لو كان كذلك لكانت القوانين تسمح بلعب الأجانب بدلا من الإضطرار لتغيير جنسيات اللاعبين مقابل السماح بإشراكهم.

3- التجنيس الرياضي تعد سافر على قوانين البلد وأنظمته:
كما تعلمون، فدولة الإمارات لها نظم كغيرها من دول العالم في مسألة التجنيس. ولها معاييرها غير الواضحة مما يتسبب عليها بضغوط خارجية عديدة. فهناك بعض مستحقي التجنيس حسب بعض الأنظمة العالمية كمن أتموا عددا معينا من السنين على أرضها. وأيضا غير محددي الجنسية الموجودين في أرض الإمارات. وكذلك أبناء المواطنات الذين تربوا في هذه البلاد كأبنائها. هؤلاء لا يعرفون متى يحصلون على الجنسية وهل سيحصلون عليها أصلا؛ يُمنعون من أشياء كثيرة مثل الدراسة والعمل والعلاج والزواج والسفر! فيتم تجاوز هذه المطالب وهذه المشاكل التي تحاسب عليها الدولة عالميا، والعمل على التجنيس الإستثنائي للاعبي كرة القدم والجودو. ألا ترى في ذلك استفزازا لمن هم في انتظار التجنيس النظامي؟ ألا ترى في ذلك إهانة لمنظومة العمل الرسمي في الدولة واحترام سيادتها على أحد أهم سلطاتها؟ حق المواطنة ليس بالأمر التافه حتى نستغله في أشياء مثل كرة القدم والرياضة ونتجاهله في مجالات أكثر حيوية وأهمية. حتى في الدول المتقدمة التي نعتقد أنها سبقتنا في التجنيس الرياضي مثل فرنسا واليابان وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، لا يكون التجنيس الرياضي لكل من هب ودب، بل تسري عليهم أنظمة التجنيس التي تسري على الجميع، فيتم تجنيس من كان من إحدى المناطق التي استعمرتها الدولة مثلا كما يحصل مع أكثر لاعبي منتخب فرنسا، أو يكونون من والدة مواطنة كما يحصل في اليابان، أو أن يكون الطفل لقيطا فيحصل على جنسية الدولة تلقائيا كما يحصل في إيطاليا، أو أن يتم عددا من السنين في الدولة أو أن يكون من مواليدها مثل بريطانيا وأمريكا.

 

الإماراتية "بيت لحم ديسا" تستعرض وطنيتها على منصات التتويج!

الإماراتية “بيت لحم ديسا” تستعرض وطنيتها على منصات التتويج!

4- التجنيس لا يجب أن يكون ضمن خيارات الإتحادات الرياضية واللجان الأولمبية والأندية:
تتوفر للإتحادات الرياضية واللجان الأولمبية والأندية الإماراتية الكثير من الموارد بهدف تطوير الملتحقين بها. لديهم الملاعب والموازنات والقنوات الإعلامية ومناهج التربية البدنية ومئات المدربين والخبراء والكشافين لوضع الأنظمة والاستراتيجيات للتأكد من أننا كدولة نملك البنية التحتية الرياضية ونتطور بشكل سنوي ملموس إلى المراتب العليا. لكن هل هذا يحصل؟ هل ارتفعنا درجة في الرماية الأولمبية بعد إنجاز الذهبية؟ هل أحرزنا غيرها؟ ماذا عن بقية البطولات التي نشترك فيها أولمبيا عاما بعد عام؟ هل تطورنا في الدراجات والسباحة وألعاب القوى؟ ماذا عن كرة القدم؟ هل لدينا لاعب محترف احترافا حقيقيا في الخارج؟ من الطبيعي أن نمشي للوراء إذا كنا سنسمح لهؤلاء المسؤولين بإهدار كل هذه الموارد والنوم طوال السنة والإعلام المحلي يطبل لإنجازات غير موجودة، ثم يقومون بالسعي لتجنيس عداء جاهز للوصول إلى منصات التتويج ثم الاحتفال بذلك! لو كان هذا الخيار مطروحا لهم، فلنوفر كل المبالغ الأخرى ونكتفي بالحل الأسهل والطريق الأقصر ونجنس اللاعبين الذين أعدتهم بقية الدول. مؤسف بأن نبرر للهروب من مسؤولية البناء والإعداد..

5- التجنيس الرياضي هو خيار البلداء:
البلادة صفة أطلقناها كثيرا على أخواننا في قطر عندما اتجهوا للتجنيس. ما أسهل أن تأتي بفريق بلغاري لرفع الأثقال وتلبسهم القمصان العنابية وتسفرهم لحضور الألعاب الأولمبية والمشاركة فيها. لكن يضحك عليك الناس عندما تفخر بإنجازهم وتقول حققت دولة قطر كذا وكذا وأحرزت دولة قطر ميدالية أولمبية! أين اللذة في إحراز الميدالية وكل ما قدمته أنت هو نقودك؟ تقول أن الكل يجنس الآن.. إذا كنا سنقلد فلماذا لا نقلد الأمور الإيجابية؟ لماذا نقلد قطر في التجنيس للحصول على كأس الخليج بينما نستطيع أن نقلد البرازيل في احتكار كأس العالم؟ لماذا نقلد تونس في التجنيس للحصول على كأس أفريقيا مثلا بينما نستطيع أن نقلد مصر في كونها قبلة كرة القدم في أفريقيا وساحل العاج في كونها منبع مهارات كرة القدم في العالم؟ إذا كانت الدولة لا تقدم لاعب كرة قدم محترم الآن لماذا لم نسأل أنفسنا عن سبب هذا الشح؟ لماذا لم نحل سبب هذا الضنك بدلا من إخفائه بتجنيس من قامت أوطانهم ببنائهم؟ ماذا لو حصل العكس؟ قامت الإمارات ببناء لاعب مميز جدا. وفجأة، شاهدنا دولة أخرى تقوم بتجنسيه وضمه لمنتخبها. هل سنأخذها بروح رياضية أم ننعته بالخيانة ونتهم الدولة الأخرى بسرقة المواهب؟ هل قمنا فعلا بكل شئ لتطوير الرياضيين في الدولة قبل التفكير بخيار التجنيس؟ هل لدينا أكاديميات كرة قدم راقية؟ هل لدينا منظومة احتراف صحيحة؟ هل نقوم بالبحث عن المواهب وتطويرها في مراكز أولمبية عالمية؟ هل لدينا رياضيين إماراتيين محترفين في الخارج؟

عندما فاز الشيخ أحمد بن حشر بذهبية أولمبياد أثينا 2004، شعرنا كلنا بالفخر وهو يعتلي المنصة متوشحا بعلم الإمارات. حتى اليوم ينتابني ذات الشعور عندما أرى صورته رافعا علم الدولة على المنصة. هل يجتاحنا هذا الشعور عندما يقف رياضي مجنس على منصة التتويج باسم دولة الإمارات؟ لو حقق لاعب مجنس يمثل الدولة في رياضة فردية (كالعدو مثلا) بطولة عالمية فهل سيستقبله الشيوخ والمسؤولين ويفرح به الشعب ويستقبله في المطار؟

 

الشيخ أحمد بن حشر المكتوم على منصة التتويج بذهبية الأولمبياد

لماذا كنا نقول بأن تشجيع المنتخب واجب وطني؟ لأنه بالفعل منتخب يمثل الوطن. كيف لا تشجع أبناء وطنك وهم يمثلون بلدهم عالميا؟ لأن هذا الذي يبذل مجهودا لرفع اسم بلاده، ثم ينجح في ذلك أو يخفق، هو مثلي. تربى في بلدي، يحمل نفس همومي. انتماءاتنا واحدة. ماذا عن المجنس؟ أتذكر التصريح الذي أدلى به عداء غاني (من غانا) للصحافة بعد فوزه بإحدى سباقات العدو، بأنه يفخر بقهر الكينيين في السباق. المصيبة أن الكينيين الذين قصدهم كانوا يمثلون يومها العلم القطري!

لكن أي واجب وطني وأي حس وطني إذا كان المنتخب فريق كرة قدم مثله مثل أي فريق آخر؟ يضم لاعبين من دول أخرى. على أي أساس ستطلب مني أن أشجعه؟ لأنه يحمل اسم الإمارات؟ إسم الإمارات كان قبل أعوام على سباق خراف في استراليا فهل واجبي الوطني أن أشجع الخراف أيضا؟ إن كان الهدف هو الترويج للدولة فالقناة الأمثل لذلك هي الرعايات الرياضية، ببساطة إذا قامت طيران الإمارات برعاية الألعاب الأولمبية وكأس العالم فسنرى علم الدولة واسمها في كل حدث وكل مباراة وتنقله كل وسائل الإعلام بصورة واضحة ونزيهة بدلا من الدخول في دوامات التجنيس. واجبي الوطني هو الغيرة على اسم الوطن. واجبي الوطني هو التفكير بمشاكل الوطن التي تضاعف بعضها بسبب التجنيس الرياضي.

التجنيس الرياضي هو نوع من أنواع الترف الذي يأتي بعد الوصول إلى درجة معينة من العدالة الإجتماعية ونضج أنظمة التجنيس وآلياته، فغير محددي الجنسية الذين ولد أجدادهم في هذه الدولة ولم يعرفوا وطنا غيرها ولهم كل الإنتماء لهذا الوطن ما زالوا بين ظهرانينا، يعيشون معنا يأكلون معنا ويعملون معنا ويحبون هذه الأرض ويخدمونها معنا ويشجعون منتخبها معنا وإن سحبت منهم مزايا التعليم والعلاج كغيرهم من المقيمين سواء كانوا مواطنين أو أجانب. ناهيك عن أبناء المواطنات الذين تربوا مثلنا بالضبط لكن يحملون جنسيات دول أخرى. فتصور الحالة النفسية التي سيصل لها هؤلاء الأخوة عندما نقوم بحرمانهم وحرمان أبنائهم من شرف الإنتماء الرسمي لهذا الوطن ومن التعليم ومن العلاج، ثم نأتي بشاب إفريقي لا تربطه بالدولة أدنى صلة ونسلمه كل الإمتيازات التي حرمنا منها هؤلاء الأخوة. إننا بذلك نخلق جيلا من الناقمين على الدولة.

التجنيس ليس أمرا متعلقا بالكرة. لا بأس بالتجنيس لو كان طبقا لقواعد ومعايير معلنة وواضحة. لكن أن يتم بهذا الشكل الاستثنائي ويتم تجاهل من أعطوا للدولة الكثير.. ويتم تجاوز الألوف من طالبي الجنسية. لتعطى لشخص ميزته الوحيدة هو أنه يحسن ركل الكرة!؟

هنا يكون الخلل في النظام أكبر من أن نستحمله. وهنا تهان سيادة الدولة. وهنا يتم استفزاز الآلاف من مستحقي الجنسية.

 

كاريكاتير عن التجنيس في كأس الخليج بريشة سارة قائد..

كاريكاتير عن التجنيس في كأس الخليج بريشة سارة قائد..

رد في منتدى وصل الإمارات بتاريخ 12 سبتمبر 2006 على موضوع بقلم الكاتب بوعبدالله.
صاحب هذه المدونة. إماراتي متعدد الإهتمامات. أكتب ما أفكر فيه حتى لا أنساه. حسابي على تويتر هو (jaberm_ar).

هل ترغب أن تشارك في التعليقات؟ إذاً تفضّل :)